ما أكثر الموهوبين الذين قتلتهم موهبتهم، ولعل الممثل الكوميدي محمد سعد الذي يحل عيد ميلاده الخامس والخمسون اليوم واحد من هؤلاء. كان بإمكان "سعد" أن يكون الممثل الكوميدي الأهم والأبرز في تاريخ مصر وحتى الآن، لكنه رفض. كان بمقدوره أن يظل نجم الشباك الأوحد منذ فيلم الليمبي ومن بعده اللي بالي بالك ولكنه امتنع. فرط محمد سعد في الموهبة الطاغية التي منحها الله لها ولم يحسن إدارتها فتراجعت شعبيته كما تراجعت إيرادات أفلامه. لا يعلم "سعد" ولا يريد أن يعلم أن إدارة الموهبة، وإن كانت محدودة، أفضل من الموهبة العظيمة إذا تم التفريط فيها. سمح "سعد" لممثلين آخرين أدنى منهم موهبة، ظهروا بعده، ولكن بقليل من الحكمة نضجوا واستمروا وجددوا ولم يمل المشاهد منهم.

شتان الفارق بين الظهور الحقيقي لسعد في أفلام: الناظر واللمبي واللي بالي بالك، وبين ظهوره الرمضاني الأخير في مسلسل "الحاج إكسلانس" الذي كان مثار تندر وسخرية من المتابعين، وبه ومن خلاله أعلن سعد وفاته كوميديًا، وإفلاسه فنيًا..

 

بدايات محمد سعد لم تكن مدهشة

البدايات الحقيقية لمحمد سعد، المولود بمنطقة السيدة زينب القاهرية، في السينما لم تكن مدهشة، ولم تكن تنبئ بظهور كوميديان كبير، سواء من خلال ظهور في فيلم الجنتل أو من خلال مسلسل "مين ميحبش فاطمة"، قبل أن يلفت إليه الأنظار في شخصية "اللمبي" في فيلم "الناظر" برفقة الراحل علاء ولي الدين في العام 2001. في العام التالي أعاد محمد سعد تقديم شخصية اللمبي في أولى بطولاته المطلقة بفيلم يحمل نفس الاسم. حقق الفيلم يومئذ إيرادات فلكية، دفع منتجه أحمد السبكي إلى تعويضه ماديًا؛ حيث كان أجره المتفق عليه 150 ألف جنيه فقط، ولكنه رفعها إلى مليون جنيه. زادت نجومية "سعد" في الفيلم التالي مباشرة وهو "اللي بالك بالك"، وفيه أظهر "سعد" قدرة عالية على التشخيص والتعدد وتنويع الأداء؛ ففضلاَ عن تقديمه شخصيتين مختلفتين تمامًا وهما: "اللمبي" و"رياض المنفلوطي أصغر مدير سجن"، فإن "سعد" قدم خلال أحداث الفيلم أيضًا بعض المشاهد التي تؤكد على كونه أكثر من مجرد "كوميديان" أو "مضحكاتي".

ورغم تحقيق "اللي بالك بالك" إيرادات ضخمة أيضًا إلا أن "سعد" -الذي تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية- لم يكن على مستوى المسئولية، ولم يتخذ قرارًا بأن يفكر جليًا كيف يتعامل مع هذا "الفتوح والقبول والنجاح"، وتوهم أنه وحده من يصنع نجاحه، ولم يفعل كما يفعل النجوم في كل المجالات من خلال الاستعانة بعناصر ومعطيات جديدة تعينه على استمر النجاح ومضاعفته.

اعتقد "سعد" سريعًا أنه وحده الضمانة الوحيدة لإنجاح أي فيلم، بغض النظر عن النص والمخرج، فتجاوز دوره كممثل، وأقحم نفسه في جميع التفاصيل. ظل "سعد" يتدخل في النص وفي اختيار الممثلين وفي عمل المخرج نفسه، وهو ما ظهرت نتائجه في مسلسل "الحاج إكسلانس" وما تم تداوله إعلاميًا من من تقارير تكشف اشتباكه مع عناصر بفريق العمل وتطاوله عليهم.

ورغم تقديم بعض الأعمال متوسطة النجاح بين فيلم "اللي بالي بالك" والمسلسل المذكور آنفًا مثل: "عوكل" و"بوحة" و"الليمبي 8 جيجا"، إلا إنه سرعان ما سقط في فخ التكرار والفشل من خلال مجموعة أفلام من نوعية: "كركر" -وهو الأسوأ على الإطلاق- و"تحت الترابيزة" و"محمد حسين"، وبعضها كان يتذيل الإيرادات ويتم رفعه سريعًا من دور العرض، إلا إنه استمر في طريقه، ولم يسمع لكثير من المخرجين والنقاد الذين كانوا يرجونه بأن يعيد حساباته وألا يواصل إهدار موهبته في استنساخ الليمبي وتقديم كراكترات غير مقبولة اجتماعيًا ولا فنيًا، وسقطت بالتقادم من حسابات رواد السينما.

 

فرصة أخرى لمحمد سعد

وكما منح المخرج شريف عرفة الفرصة الأولى والحقيقية لمحمد سعد في فيلم "الناظر"، عاد مرة أخرى ومنحها له في فيلم "الكنز" العام  2017، من خلال تجسيد شخصية "بشر الكتاتني"، وهي شخصية مغايرة تمامًا ومنقطعة الصلة عن تاريخه الفني كله، ورغم نجاحه النقدي والجماهيري فيه، إلا إنه سرعان ما انقلب على عقبيه، وعاد إلى أعماله الضعيفة جدًا مثل: فيلم "محمد حسين" وفيلم "حياتي مبهدلة" ومسلسل "الحاج إكسلانس"، وكأنه يصر على السير في الاتجاه المعاكس. والمسلسل الأخير ينضم إلى سلسلة الفشل التليفزيوني لـ"سعد" مع مسلسلي: "شمس الأنصاري" و"فيفا أطاطا".

مخرجون كثيرون رأوا في محمد سعد موهبة استثنائية، سواء المخرج شريف عرفة –كما أوضحنا سلفًا- أو المخرج الكبير عمر عبد العزيز الذي وصفه بـ"الكوميديان العظيم"، ولكنه في الوقت نفسه نصحه -كما نصحه غيره-  بالخروج من قالب الليمبي ومشتقاته، والاكتفاء بدوره كممثل، والتعاون مع فريق عمل جديد. محمد سعد -بنظر كثيرين من المخرجين والنقاد والمنتجين- هو أكبر من مجرد مضحكاتي؛ فالرجل متعدد المواهب فعلاً، ولكنه يعجز عن إدارة نفسه فنيًا منذ ظهوره قبل ربع قرن، وحتى دخوله العقد السادس من عمره.

محمد سعد وإسماعيل ياسين وشارلي شابلن

في مقابلات صحفية إعلامية متعددة.. رفض محمد سعد اتهامه بتكرار شخصية اللمبي واستنساخها، من خلال عقد مقارنة غير منطقية بينه من ناحية وبين إسماعيل ياسين وشارلي شابلن من ناحية ثانية،مؤكدًا أن الأخيرين قدما أعمالًا متشابهة، ورغم ذلك نجحت واستمرت وخلدت صاحبيها. 

كلام محمد سعد مردود عليه من كثيرة جدًا أبرزها أمران، الأول: أن أعمال إسماعيل ياسين وشارلي شابلن نجحت فعلًا وقتها ولاقت قبولًا جماهيريًا، ولكن أعمالك لم تعد تجد أي صدى، وفي أحايين كثيرة لا يشعر بها أحد كما حدث مع فيلم: "تحت الترابيزة" ومسلسل "الحاج إكسلانس"؛ ومن ثم فإن المقارنة ليست في صالحه. والثاني: الزمن أصبح غير الزمن، وما كان يصلح أيام إسماعيل ياسين وشارلي شابلن لم يعد يصلح في زمن تنوعت فيه الوسائط وتضاعفت الوسائل وكثرت البدائل، كما إن النهاية الفنية للراحل إسماعيل ياسين كانت مأساوية.. فهل لا يقرأ “سعد” التاريخ؟

 كما إن إلحاح محمد سعد في جميع حواراته بأن يسعى إلى أن يترك بصمة في كل عمل جديد يتقاطع تمامًا مع القول العربي الشهير: "يكاد المريب أن يقول خذوني".. فعن أي بصمة يتحدث محمد سعد، وهو يعلم أن معظم جمهوره من الشباب، ولا يدخل أفلامه إلى من أجل الضحك فقط؟

هذه العقيدة التي ترسخت عند محمد سعد عن نفسه وعن اختياراته الفنية دفعت ناقدًا كبيرًا مثل طارق الشناوي الذي أكد أن "سعد" ظل يعتمد على رصيده الذي صنعه في فيلمي: "اللمبي" و"اللي بالي بالك" حتى نفد رصيده بعد عدة أفلام، وأصبح يقدم أفلام لا يراها أحد، ناصحًا إياه بأن يتخلى عن نظرته الضيقة للأمور، وأن يعيد حساباته الفنية، وأن يخرج من شخصية الليمبي والكاركترات الغربية والمستهجنة أخلاقيًا، وأن يبني على النجاح الذي حققه في فيلم "الكنز"، فيما يرى نقاد آخرون مثل: خيرية البشلاوي أن محمد سعد يحتاج إلى ما وصفوه بـ"المعجزة الفنية" حتى يعود مرة أخرى إلى سيرته الأولى، وحتى يستعيد رصيده الفني المفقود، بدلًا من البحث عنه في موسم الرياض.. فهل يفعلها سعد بعدما بلغ منتصف الخمسينيات من عمره؟

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو) ، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.