وثيقة في مكتبة "ديكارت" تكشف تأثره بنظرية "الغزالي" في الشك.. وزير مصري يؤكد واقعة "الاقتباس".. وهل أخطأ صاحب "إحياء علوم الدين"؟

بوابة فيتو 0 تعليق ارسل طباعة حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وثيقة في مكتبة "ديكارت" تكشف تأثره بنظرية "الغزالي" في الشك.. وزير مصري يؤكد واقعة "الاقتباس".. وهل أخطأ صاحب "إحياء علوم الدين"؟, اليوم الثلاثاء 19 ديسمبر 2023 04:23 مساءً

استطاع الإمام أبو حامد الغزالي –الذي تحلُّ ذكرى وفاته اليوم- أن يحقق ما لم يحققه غيره من منجزات فكرية وفلسفية وفقهية خلال فترة زمنية محدودة نسبيًا، فقد رحل في مثل هذا اليوم عن عمر ناهز 53 عامًا، أنتج خلالها 467 كتابًا، وهذا إنجاز -لو تعلمون- عظيم بكل المقاييس.. وإن كان هناك فريق آخر يقلل من هذا التاريخ الحافل ويغمز ويلمز في فكر الشيخ الموصوف بـ"إمام الأئمة" و"حجة الإسلام".. فأيُّ القريقين على الحق المبين؟!

Advertisements

لم يكن ابن قرية "غزالة"، إحدى قرى “خراسان”، ميسور الحال، بل نشأ في بيئة فقيرة، غير أنه أوتي حظًا موفورًا من الذكاء وسعة الأفق وحب العلم وقوة العقل؛ مما أهله لأن يكون واحدًا من أعلام العرب الموسوعيين والبارزين على مر التاريخ.

تجاوز الفتى النابه الظروف الحياتية الصعبة ووفاة أبيه المبكرة، وولى وجهه وقلبه وعقله شطر العلم، وتتلمذ على أيدي علماء عصره في الفقه وعلم الكلام، حتى برع سريعًا جدًا في الفقه وأصوله، وأصول الدين والمنطق والفلسفة وصار على علم واسع بالخلاف والجدل، وكان مثار إعجاب وتقدير من أساتذته الذين تنبأوا له بمستقبل باهر.

نبوغ مبكر وشهرة سريعة

استطاع "الغزالي" –قبل أن يكمل الثلاثين من عمره-  أن يحقق شهرة واسعة؛ بعد أن ناظر عددًا من الأئمة والعلماء وأفحم الخصوم والمنافسين حتى اعترفوا له بالعلم والفضل، فارتفع بذلك ذكره وذاع صيته، وطار اسمه في الآفاق، وصارت له مهابة في نفوس العامة والخاصة.

صرف "الغزالي" اهتمامه مبكرًا إلى عقد المناظرات، ووجّه جهده إلى محاولة التماس الحقيقة التي اختلفت حولها الفرق الأربعة التي سيطرت على الحياة الفكرية في عصره وهي: الفلاسفة، المتكلمون، الباطنية والصوفية..ولكلِّ وجهة هو موليها، ولكل منهم شرعة ومنهاج.

سجَّل الشاب النابه هذه التجربة الثرية في كتابه المعروف: “المنقذ من الضلال”، ولكنه خرج من تلك التجربة بجرعة كبيرة من الشك  والريبة في كل شيء، وظل على هذه العام أقل من عام حتى قرر مغادرة بغداد التي كان استقر بها قبل، واتجه إلى الشام معتكفًا في مسجد دمشق، ومنها إلى بيت المقدس، فكان يدخل مسجد الصخرة ويغلق الباب على نفسه وينصرف إلى عزلته وخلوته، ومرَّ خلال هذه الفترة بمصر.

خلال هذه الفترة من العزلة والاعتكاف والشك..بدأ "الغزالي" في تصنيف كتابه البارز "إحياء علوم الدين"، ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى إلى دمشق ليعتكف في الجامع الأموي، وخلال هذه الفترة أدى فريضة الحج.

 بقي "الغزالي" حريصًا على الخلوة، مواظبًا على حياة الزهد والتأمل وتصفية القلب لذكر الله، نحو عشر سنوات، تمكن خلالها من الوصول إلى تلك الحقيقة التي راح يبحث عنها، والاهتداء إلى ذلك اليقين الذي راح يبثه في تلاميذه الذي استمد دعائمه من مشكاة النبوة الصافية وجوهر الإسلام الخالص..بحسب الباحث والمؤرخ سمير حلبي.

 

الغزالي يعود مجددًا إلى مسقط رأسه

بعد فترة تنقلات وارتحالات..عاد "الغزالي" مجددًا إلى مسقط رأسه في "خراسان"، وشيَّد مأوى لطلاب العلم الذين كانوا يقصدونه من كل فج عميق، ليشهد منافع لهم من العلم والفهم والتبحر في الفلسفة على يديه.

 كان "الغزالي" معنيًا بأمر الدين والدفاع عن العقيدة الخالصة والإسلام الصحيح، وقد تجلى ذلك في العديد من مؤلفاته مثل: "المنقذ من الضلال"، "فضائح الباطنية"، "تهافت الفلاسفة"، و"إحياء علوم الدين".

بدا "الغزالي"  -في ضوء مؤلفاته وومنجزاته الموسوعية- مجدد الدين في القرن الخامس الهجري، وقد شهد له بذلك أهل الفضل والعلم في جميع الأمصار والأقطار، وصار علمًا في رأسه نار.

حرب الغزالي على الباطنية

بقلب جسور وعقل واعِ.. واجه "الغزالي" الاتجاهات الفكرية المختلفة التي سادت في عصره، وكان نقده مُركزًا على نقد الفرق المتطرفة من منطلق إخلاصه للإسلام، وكان في نقده لها يتسم بالنزاهة والموضوعية..بحسب بعض الباحثين والكتب المؤرخة له. 

أثبت الغزالي في رده على الفلاسفة مخالفتهم للإسلام في بعض الجوانب، وحذر الناس من اتباع طريقتهم من غير مناقشة أو تمحيص.

 كشف "الغزالي" أيضًا عن أباطيل الباطنية – الذين استشرى خطرهم واستعظم في زمانه- وفضح ضلالاتهم، وكشف عن زيفهم وخبث عقيدتهم. 

 

شك "الغزالي" وشك "ديكارت"

اتبع "الغزالي" خلال رحلته الفلسفية منهجًا عقلانيًا يقوم على فكرتين أساسيتين هما: الشك، والحدس الذهني، ونلمس ذلك في قوله: “إن العلم اليقيني هو الذي يُكشف فيه المعلوم انكشافًا لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم”.

 يتحدث "الغزالي" عن محنة الشك ودائرتها التي عاش داخلها قائلًا: “فأقبلت بجدٍّ بليغ أتأمل في المحسوسات والضروريات وأنظر: هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها؟ فانتهى بي طول التشكيك إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضًا”، وهو يفسر ذلك بأنه “من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال”. 

 المنهج الذي اتبعه "الغزالي"، الذي عاش بين عامي 1058-1111 ميلاديًا، منذ أكثر من تسعة قرون يبدو شديد التشابه بما قدمه الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، الذيث عاش بين عامي 1595-1650 ميلاديًا، وهو ما يعكس تأثره بالفيلسوف الإسلامي الكبير وأخذه عنه.

 "رينيه ديكارت"  عالم وفيلسوف وفيزيائيّ، لُقّب بـ"أبي الفلسفة الحديثة"، وأسهمت أطروحاته الفلسفيّة التي ما زالت تُدرّس في المدارس والجامعات حتى يومنا الحالي في ظهور عدد كبير من نظريات الفلسفيّة الحديثة.

 من أشهر كتب "ديكارت" ومؤلفاته هو كتاب: "تأملات في الفلسفة الأولى" الذي نشره في العام 1641 ميلاديًا، ويُعتبر حتى عصرنا الحالي المرجع الأساسي لمعظم كليات الفلسفة في العالم.

عاش "الغزالي" و"ديكارت" التجربة المعرفية ذاتها، وإن كان فضل السبق والأصالة يعود للأول؛ فعبارة الغزالي الشهيرة: “الشك أول مراتب اليقين” التي أوردها في كتابه “المنقذ من الضلال” هي التي بنى عليها ديكارت مذهبه لاحقًا.

 

وثيقة في مكتبة ديكارت

خلال حضوره فعاليات المؤتمر العاشر للفكر الإسلامي في عنابة بالجزائر في أوائل السبعينيات، قال الباحث التونسي  الدكتور "عثمان الكعاك": إنه عثر بين محتويات مكتبة ديكارت الخاصة بباريس على ترجمة كتاب المنقذ من الضلال، ووجد أن ديكارت قد وضع خطًا أحمر تحت تلك العبارة، ثم كتب في الهامش: “يضاف ذلك إلى منهجنا”.

 الباحث التونسي المتوفى في العام 1979 استكمل روايته قائلًا: إن العلامة المصري  الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة طلب إليه أن يعاونه في عمل بحثي يتوفر عليه أبو ريدة بخصوص تأثير حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الفكر الغربي.

ولأن "الكعاك" كان يعمل أمينًا للمكتبة الوطنية، فإنه استطاع –كما يقول- أن يصل إلى مكتبة "رينيه ديكارت"، وفوجئ  بنسخة من كتاب "المنقذ من الضلال" مترجمة إلى اللاتينية في مقتنيات الفيلسوف الفرنسي، وبقلم "ديكارت" خطوط تحت أكثر من فكرة من أفكار الغزالي ومكتوب عليها "يُنقل هذا إلى منهجنا"، ما يعتبر سطوًا صريحًا على فكر "الغزالي"، وهو ما أكده لاحقًا كل من: وزير الأوقاف الأسبق الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه "المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت"، والدكتور نجيب محمد البهبيتي في كتابه "المدخل إلى دراسة التاريخ والأدب العربيين"، حيث أجمعا على أن الفيلسوف الفرنسي قد سرق من "الغزالي" الكثير، خاصة من كتابه: "المنقذ من الضلال"!

وبحسب عماد الدين الجبوري..فإن كتاب “ديكارت” المعنون بـ"مقال في المنهج" يتضمن تأثيرات واضحة جدًا من الفيلسوف الفرنسي بمنهجية “الغزالي” في الشك واليقين.

الانتقال من الفلسفة إلى التصوف

تحول "الغزالي" من الفلسفة إلى التصوف، بعد أن استقر في وعيه ووجدانه ورأى أن التصوف هو المنهج الأفضل في تلقي المعرفة اليقينية الملائمة.

"الغزالي" في تصوفه لا يهمّش العقل، ولا يقلل من دوره، بل على العكس من ذلك؛ فإن للعقل عنده دورًا أساسيًا في سلوك طريق التصوف، وهو ما أوضحه في كتاباته.

احتجَّ "الغزالي" بالعقل على غُلاة الصوفية القائلين بالفناء والاتحاد، ورأى أنه قد ينكشف للصوفي ما لا يمكن للعقل إدراكه، ولكن ليس من الممكن أن ينكشف له شيء يحكم العقل باستحالته.

العقل عند "الغزالي" هو الميزان الذي قيَّضه الله للإنسان لقياس مدى صدق معارفه ووضع الحدود لها، ومن ثم فإنه ليس هناك تعارض بين مقتضيات التعقل، وشئون الإيمان الديني.

أسهم "الغزالي" في تنقية التصوف من كثير من البدع والانحرافات، وأعطى التصوف والحياة الروحية بُعدا عقليًا جديدًا، وزخمًا فكريًا لم يسبقه إليه أحد.

 

الجانب الأخلاقي عند "الغزالي"

أولى "الغزالي" الجانب الأخلاقي اهتمامًا عظيمًا،  وكان يهدف من وراء ذلك إلى  تحقيق الكمال الإنساني، بارتقاء النفس الإنسانية من مجال الحس إلى مجال التفكير، والارتقاء بالإنسان من مستوى الخضوع للأهواء والشهوات إلى مقام العبودية لله، حتى تصل إلى حالة تطل بها على عالم الغيب، فتطّلع على الحقيقة، وتصل إلى أقصى مراتب الكمال الإنساني باقترابها من الخالق سبحانه وتعالى. 

هدف "الغزالي" من السمو الأخلاقي أيضًا إلى تربية النفس على الفضيلة، حيث ركز على أساسيات الفضائل، واعتبرها أربعة هي: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.

 رأى "الغزالي" أن تحقيق الفضيلة إنما يكون من خلال تصفية القلب لذكر الله تعالى، والعمل على تزكية النفس وتهذيب الأخلاق. 

شدد "الغزالي" على على أهمية الفضائل ودورها في ضبط قوى النفس الإنسانية، وتنمية الاستعدادات الفطرية الخيرة فيها. 

سعى "الغزالي" إلى تهذيب قوى النفس الإنسانية، ليس من خلال قمع نزعاتها وغرائزها، ولكن من خلال الاعتدال والعفة والعقل.

دعا "الغزالي" إلى حُسن توجيه طاقات الأمة، كما شدد على الأثر التهذيبي للشريعة الإسلامية في كل من الفرد والمجتمع. 

دعا "الغزالي" أيضًا إلى توخي إرضاء الله تعالى، وحذر من مطامع الدنيا الفانية، وحث على التماس رضوان الله تعالى، وهنا يبرز مأثوره البليغ: "ليس الدين ابتعادًا عن المحظورات ابتعاد خائف من مجهول، أو ابتعاد مُكره مضطرب، بل هو الوجل من عصيان مليك مقتدر، سبقت نعماؤه، ووجب الاستحياء منه".

وإجمالًا..فإن "الغزالي" خلص إلى أن من أهداف التربية الخلقية إعداد الإنسان في هذه الحياة الفانية للدار الآخرة الباقية؛ لأن الغاية المثلى للإنسان في هذه الدنيا هي حسن العبودية لله وتمام الطاعة والخضوع له.

 

إنجازات الغزالي

أثرى "الغزالي" المكتبة الإسلامية بعديد المؤلفات المتنوعة، وهي على غزارتها، حيث زادت على 450 مؤلفًا عظيم الأثر، شديدة التأثير من بينها: إحياء علوم الدين  بأجزائه الأربعة، تهافت الفلاسفة، مقاصد الفلاسفة، الاقتصاد في الاعتقاد، المنقذ من الضلال، جواهر القرآن، فضائح الباطنية، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، وعقيدة أهل السنة، وغيرها من المؤلفات التي تعكس استثنائية صاحبها وموسوعيته وتنوع اطلاعه وتعدد معارفه واختلاف مشاربه.

 

وجهة نظر مختلفة عن "الغزالي"

ورغم هذه المسيرة الحافلة والسيرة الطيبة للإمام "الغزالي" التي وضعته ضمن مصاف نوابغ العلماء والفلاسفة، إلا إن فريقًا آخر كان يراه دون هذه المنزلة كثيرًا، وهو ما نقرأه في مقدمة طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة لكتاب "تهافت الفلاسفة" الصادرة قبل ست سنوات، حيث قدم لهذه الطبعة الدكتور محمود إسماعيل قائلًا: "لم يحظ فقيه إسلامي بالشهرة التي حازها أبو حامد الغزالي، سواءً في عصره، أو ما تلاه من عصور وإلى الآن، إذ اعتبره الكثيرون حجة الإسلام، ومجدده الأول بلا منازع، وقليلون من نددوا بشخصه وفكره في آن، فاعتبروه انتهازيًا فقيه سلطة، سخَّر فكره لتبرير سياسات حكام طُغاة، بل إن فكره يدخل في إطار الأدلجة التي تفُتُّ في مصداقية المعرفة، لذلك وصموه بالهشاشة والتلفيق، فضلًا عن التناقض، بما يجعله لا يقوى أمام النقد والنظر، والأنكى؛ توظيفه لحض السلطة على البطش بمفكري قوى المعارضة للاستبداد؛ وذلك بتحريض العوام ضدهم باعتبارهم زنادقة ملحدين، لذلك جرى اعتبار الغزالي مسئولا عن دخول الفكر الإسلامي في عصره وما تلاه من طور الانحطاط".

ومن الانتقادات التي وجهت لـ"الغزالي" أيضًا أنه “دخل في بطون الفلاسفة فلما أراد أن يخرج لم يقدر”، فضلًا عن وجود بعض الأفكار الصوفية الشاطحة في كتابه "إحياء علوم الدين"، وهناك من ينصح بعدم تناوله بين العوام، بل إن كثيرًا من علماء عصره ولاحقيه أجمعوا على أن به انحرافات خطيرة وما وصفوه بـ"المواد الذميمة"!

ويُقال: إن "الغزالي" تأثر ببعض الأفكار والاعتقادات الفلسفية المنحرفة، وهو ما يمكن الدفع بأنه تخلص منها سريعًا في كتاباته المتأخرة.

ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق